فصل: فصل في بيان قبح عاقبة الظلم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل في بيان قبح عاقبة الظلم:

إذا فهمت ما تقدم من شناعة الظلم وقبح عاقبته وما ورد من الوعيد الشديد على مرتكبه وأن من مَاتَ قبل رد المظَالِم أحاط به يوم القيامة خصماؤه فهَذَا يأخذ بيده وهَذَا يقبض على ناصيته وهَذَا يمسك يده وهَذَا يتعلق بلببه وهَذَا يتعلق برقبته هَذَا يَقُولُ: ظلمني فغشني. وهَذَا يَقُولُ: ظلمني فبخسني. وهَذَا يَقُولُ: خدعني. وهَذَا يَقُولُ: قذفني. وهَذَا يَقُولُ: أكل مالي. وهَذَا يَقُولُ: شتمني. وهَذَا يَقُولُ: اغتابني. وهَذَا يَقُولُ: كذب علي. وهَذَا يَقُولُ: قطع رحمي.
وهَذَا يَقُولُ: جاورني فأساء مجاورتي. وهَذَا يَقُولُ: رآني مظلومًا فلم ينصرني. وهَذَا يَقُولُ: رآني على منكر فلم ينهني. وهَذَا يَقُولُ: جحد مالي. وهَذَا يَقُولُ: باعني وأخفى عني عيب السلعة. وهَذَا يَقُولُ: سرق مالي. وهَذَا يَقُولُ: قطع من ملكي.
وهَذَا يَقُولُ: شهد علي بالزور. وهَذَا يَقُولُ: سخر بي. وهذه زوجة تَقُول: لم يعدل بيني وبين زوجته الأخرى. وهذه تَقُول أكل صداقي. وهَذَا يَقُولُ: تعدى على محارمي. وهَذَا يَقُولُ: نشز زوجتي. وهذه تَقُول: نشز زوجي.
وهَذَا يَقُولُ: غدر بي. وهَذَا يَقُولُ: خانني. وهَذَا يَقُولُ: دلس علي. وهَذَا يَقُولُ: نجش علي في السلعة التي أريد شراءها. وهَذَا يَقُولُ: كادني. وهَذَا يَقُولُ: منعني النوم بملاهيه من مذياع وتلفزيونه وبكمه وسينمائه. فبينما أَنْتَ على تلك الحال المخيفة التي لا يرى فيها بغضك من كثرة من تعلق بك من الغرماء الَّذِينَ أنشبوا فيك مخالبهم وأحكموا في تلابيبك أيديهم وأَنْتَ مبهوت متحير مضطرب الفكر والعقل من كثرتهم ومطالبتهم حتى لم يبق أحد ممن جالستهم أو عاملتهم أو صاهرتهم أو شاركتهم ولو مدة قليلة إِلا وقَدْ استحق عَلَيْكَ مظلمة وقَدْ ضعفت عن مقاومتهم ومددت عنق الرجَاءَ إلى سيدك ومولاك لعله أن يخلصك من أيديهم.
إذا قرع سمعك نداء الجبار جَلَّ وَعَلا وتقدست أسماؤه: {اليوم تُجْزَى كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ اليوم} فعَنْدَ ذَلِكَ ينخلع قلبك وتضطرب أعضاؤك من الهيبة وتوقن نفسك بالبوار وتذكر ما أنذرك الله تَعَالَى به على لسان رسله حيث قال: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إليهمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء}.
وقوله: {وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ * وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ} الآيَة فيالها من مصيبة، وما أشدها من حَسْرَة في ذَلِكَ اليوم، إذا جَاءَ الرب جَلَّ وَعَلا للفصل بين عباده بحكمه العدل وشوفه الظَالِم بالخطاب وعلم أنه مفلس فقير عاجز مهين لا يقدر على أن يرد حقًّا أو يظهر عذرًا.
فعَنْدَ ذَلِكَ تؤخذ حسناته التي تعب عَلَيْهَا في عمره، ليلاً ونهارًا حضرًا وسفرًا وتنقل إلى الخصماء عوضًا عن حقوقهم وتقدم حديث أَبِي هُرَيْرَةِ في بيان المفلس من الأمة فلينظر العاقل إلى المصيبة في مثل ذَلِكَ اليوم الَّذِي ربما لا يسلم له فيه شَيْء من الحسنات فإن سلم شَيْء ابتدره الغرماء وأخذوه فَكَيْفَ تَكُون حال من رأى صحيفته خالية من حسناتٍ طالما تعب فيها، فإذا سأل عَنْهَا قيل له نقُلْتُ إلى صحيفة خصمائك الَّذِينَ ظلمتهم ويرى صحيفته مشحونة بسيئات لم يعملها، فإذا سأل عَنْهَا ومن أين جاءت إليه؟ قيل: هذه سيئات القوم الَّذِينَ طالما تمضمضت بهتك أعراضهم وتناولت أموالهم وقذفتهم وشتمتهم وقصدتهم بالسُّوء وخنتهم في المبايعة والمجاورة والمعاملة ونحو ذَلِكَ من أنواع الظلم اللَّهُمَّ قو إيماننا بك وبملائكتك وبكتبك وبرسلك وباليوم الآخِر وبالقدر خيره وشره وثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وصلى الله على مُحَمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وَفِي النَّاسِ مِنْ ظُلْمُ الْوَرَى عَادَةً لَهُ ** وَيَنْشُرُ أَعْذَارًا بِهَا يَتَأَوَّلُ

جَرِيءٌ عَلَى أَكْلِ الْحَرَامِ وَيَدَّعِي ** بِأَنَّ لَهُ فِي حِلِّ ذَلِكَ مَحْمَلُ

فَيَا آكِلَ الْمَالِ الْحَرَامِ ابن لَنَا ** بِأَيِّ كِتَابٍ حَلَّ مَا أَنْتَ تَأْكُلُ

أَلَمْ تَدْرِ أَنَّ اللهَ يَدْرِي بِمَا جَرَى ** وَبَيْنَ الْبَرَايَا فِي الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ

حَنَانِيكَ لا تَظْلِمْ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ ** وَبِالْبَعْثِ عَمَّا قَدْ تَوَلَّيْتُ تُسْأَلُ

وَتَوَقَّفُ لِلْمَظْلُومِ يَأْخُذُ حَقَّهُ ** فَيَأْخُذُ يَوْمَ الْعَرْضِ مَا كُنْتُ تَعْمَلُ

وَيَأْخَذُ مِنْ وِرْزٍ لِمَنْ قَدْ ظَلَمْتَه ** فَيُوضَعُ فَوْقَ الظُّهْرِ مِنْكَ وَيَجْعَلُ

فَيَأْخُذْ مِنْكَ اللهَ مَظْلَمَةَ الَّذِي ** ظَلَمْتَ سَرِيعًا عَاجِلاً لا يُؤَجَّلُ

تَفِرُّ مِن الْخَصْمِ الَّذِي قَدْ ظَلَمْتَهُ ** وَأَنْتَ مُخَوَّفٌ مُوجَفُ الْقَلْبِ مُوجَلُ

تَفِرُّ فَلا يُغْنِي الْفِرَارُ مِن الْقَضَا ** وَإِنْ تَتَوَجَّلْ لا يُفِيدُ التَّوَجُّلُ

فَيَقْتَصُّ مِنْكَ الْحَقَّ مَنْ قَدْ ظَلَمْتَهُ ** بَلا رَأْفَةٍ كَلا وَلا مِنْكَ يَخْجَلُ

وحكي أن الرشيد حبس أبا العتاهية فكتب على جدار الحبس:
أَمَا وَاللهِ إِنَّ الظُّلْمَ شُؤْمٌ ** وَمَا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ

إِلَى الدَّيَّانَ يَوْمَ الدِّينِ نَمْضِي ** وَعِنْدَ اللهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ

سَتَعْلَمُ فِي الْحِسَابِ إِذَا الْتَقَيْنَا ** غَدًا عِنْدَ الْمَلِيكِ مَنْ الظَّلُومُ

تَنَامُ وَلَمْ تَنَمْ عَنْكَ الْمَنَايَا ** تَنَبَهْ لِلْمَنِيَّةِ يَا نَؤُومُ

لَهَوْتَ عَن الْفَنَاءِ وَأَنْتَ تَفْنَى ** وَمَا حَيٌّ عَلَى الدُّنْيَا يَدُومُ

تَرُومُ الْخُلْدُ فِي دَارِ الْمَنَايَا ** وَكَمْ قَدْ رَامَ غَيْرُكَ مَا تَرُومُ

سَلِ الأَيَّامَ عَنْ أُمَمٍ تَقَضَّتْ ** سَتُخْبِرُكَ الْمَعَالِمُ وَالرُّسُومُ

فأخبر الرشيد بذَلِكَ فَبَكَى بكاءً شديدًا ودعًا أبا العتاهية فأستحله ووهب له ألف دينارٍ لحبسه من غير موجبٍ شرعي.
مَا دَارُ دُنْيَا لِلْمُقِيمِ بِدَارِ ** وَبِهَا النُّفُوسُ فَرِيسَةُ الأَقْدَارِ

مَا بَيْنَ لَيْلٍ عَاكِفٍ وَنَهَارِهِ ** نَفَسَانِ مُرْتَشِفَانِ لِلأَعْمَارِ

طُولُ الْحَيَاةِ إِذَا مَضَى كَقَصِيرِهَا ** وَاليسْرُ لِلإِنْسَانِ كَالإِعْسَارِ

وَالْعَيْشُ يَعْقِبُ بِالْمَرَارَةِ حُلْوَهُ ** وَالصَّفْوُ فِيهِ مُخَلَّفُ الأَكْدَارِ

وَكَأَنَّمَا تَقْضِي بُنِيَّاتُ الرِّدَى ** لِفَنَائِنَا وَطْرًا مِن الأَوْطَارِ

وَالْمَرْءُ كَالطَّيْفِ الْمُطِيفِ وَعُمْرُهُ ** كَالنَّوْمُ بَيْنَ الْفَجْرِ وَالأَسْحَارِ

خَطْبٌ تَضَاءَلَتَ الْخُطُوبُ لِهَوْلِهِ ** أَخْطَارُهُ تَعْلُو عَلَى الأَخْطَارِ

نُلْقِي الصَّوَارِمَ وَالرِّمَاحَ لِهَوْلِهِ ** وَنَلُوذُ مِنْ حَرْبٍ إِلَى اسْتِشْعَارِ

إِنَّ الَّذِينَ بَنُوا مَشِيدًا وَانْثَنَوْا ** يَسْعُونَ سَعْي الْفَاتِكِ الْجَبَّارِ

سَلَبُوا النَّضَارَةَ وَالنَّعِيمَ فَأَصْبَحُوا ** مُتَوَسِّدِينَ وَسَائِدَ الأَحْجَارِ

تَرَكُوا دِيَارَهُمُ عَلَى أَعْدَاهِم ** وَتَوَسَّدُوا مَدَرًا بِغَيْرِ دِثَارِ

خَلَطَ الْحِمَامُ قَوِيَّهمُ بِضَعِيفِهِمْ ** وَغَنِيَّهمُ سَاوَى بِذِي الأَقْتَارِ

وَالْخَوْفُ يُعْجِلُنا عَلَى آثَارِهِمْ ** لا بُدَّ مِنْ صُبْحِ الْمُجِدِّ السَّارِي

وَتَعَاقُبُ الْمَلَوَيْنِ فِينَا نَاثِرٌ ** بِأَكَرِّ مَا نَظَمَا مِن الأَعْمَار

اللَّهُمَّ يا عَالِم الخفيات ويا سامَعَ الأصوات ويا باعث الأموات ويا مجيب الدعوات ويا قاضي الحاجات يا حالق الأَرْض والسماوات أَنْتَ الله الأحد الصمد الَّذِي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، الوهاب الَّذِي لا يبخل والحليم الَّذِي لا يعجل لا راد لأَمْرِكَ ولا معقب لحكمك نسألك أن تغفر ذنوبنا وتنور قلوبنا وتثَبِّتْ محبتك في قلوبنا وتسكننا دار كرامتك إنك على كُلّ شَيْء قدير وصلى الله على مُحَمَّد وآله وصحبه أجمعين.

.موعظة:

عباد الله لَقَدْ توعد الله الَّذِينَ يخالفون أمره ويتصرفون عن ذكره ويجترؤن على معاصيه بشديد غضبه وعَظِيم سخطه وحذرهم بأسه وانتقامه فما بال كثير من النَّاس بعد القرون الأولى عمدوا إلى محارم الله فارتكبوها ومأموراته فاجتنبوها ثُمَّ عادوا بمر الشكوى من تغبر الأَحْوَال وانتزاع البركة من الأرزاق والأموال.
أحسبت أنك يا ابن آدم تهمل وتترك فلا تعاقب، وتظلم وتتقلب في النَّعِيم كيف شئت ولا تحاسب أنسيت قول النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلم: «إن الله ليملي للظَالِم حتى إذا أخذه لم يفلته». كُلّ هَذَا من جهالتك وانطماس بصيرتك ولكن اعمل ما شئت فسيرى الله عملك ثُمَّ ترد إليه ويجازيك بما تستحق جهلت في حال النَّعِيم وكَانَ الواجب عَلَيْكَ أن تتعرف إِلَى اللهِ في الرخاء ليعرفك في الشدة، ولكن لم تفعل وأصبحت بعد زوالها منك شكو لمن؟ تشكو لمن عصيته بالأمس تشكو لمن خالفت أوامره وفعلت نواهيه مَعَ علمك أنه المنتقم الجبار تشكو لمن حاربته بالمعاصي المتنوعة وقَدْ أسبغ عَلَيْكَ نعمه ظاهرة وباطنة ولو شَاءَ لمنعها عَنْكَ لأنه الفعال لما يريد تشكو لمن تأكل نعمه في أرضه مستعينًا بها على معاصيه أليس عملك هَذَا في منتهى اللآمة والخساسة يمدك بالنعم وتبارزه بالمعاصي ألك صبر على جهنم وزمهريرها ألك طاقة بالويل والغساق والزقوم والحميم والضريع، عباد الله هَذَا الَّذِي نَحْنُ فيه من الانهماك في الدُّنْيَا وقتل كُلّ الوَقْت في جمعها والابتعاد عن الآخِرَة وانتشار المعاصي بسرعة هائلة ما هُوَ والله إِلا بما كسبت أيدينا قال تَعَالَى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} الآيَة. عباد الله إن غلاء الأسعار، وانتشار الأمراض، وما رأيتم من الفتن والتعقيد في الممتلكات والتقاطع والعقوق ما هُوَ وَاللهِ إِلا جزاء عملنا وما هُوَ إِلا قليل من كثير فقَدْ تمادينا في المعاصي والله يغار على أوامره أن تجتنب ومحارمه أن ترتكب قال صلى الله عَلَيْهِ وسلم: «لا أحد أغير من الله». الْحَدِيث.
تَيَقَنْتُ أَنِّي مُذْنِبٌ وَمُحَاسِبْ ** وَلَمْ أَدْرِ هَلْ نَاجٍ أَنَا أَوْ مُعَاقَبُ

وَمَا أَنَا إِلا بَيْنَ أَمْرَيْنِ وَاقِفٌ ** فَإِمَّا سَعِيدٌ أَمْ بِذَنْبِي مُطَالَبُ

وَقَدْ سَبَقْتَ مِنِّي ذُنُوبٌ عَظِيمَةٌ ** فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا تَكُونُ الْعَوَاقِبُ

فَيَا مُنْقِذِ الْغَرْقَى وَيَا كَاشِفَ الْبَلا ** وَيَا مَنْ لَهُ عِنْدَ الْمَمَاتِ مَوَاهِبُ

أَغِثْنَا بِغُفْرَانٍ فَإِنَّكَ لَمْ تَزَلْ ** مُجِيبًا لِمَنْ ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْمَذَاهِبُ

اللَّهُمَّ أحينا في الدُّنْيَا مؤمنين طائعين وتوفنا مسلمين تائبين واغفر لنا وَلِوالدينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلمين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

.فصل في بيان رد المظالم يوم القيامة:

وعن عَبْد اللهِ بن الزبير بن العوام رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: لما نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} قال الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أي رسول الله أيكرر عَلَيْنَا ما كَانَ بيننا في الدُّنْيَا مَعَ خواص الذُّنُوب؟ قال صلى الله عَلَيْهِ وسلم: «نعم ليكررن عليكم حتى يؤدي إلى كُلّ ذي حق حقه». قال الزبير: وَاللهِ إن الأَمْر لشديد. رواه الترمذي.
وعن أبي سعيد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وسلم: «والَّذِي نفسي بيده إنه ليختصم حتى الشاتان فيما انتطحا». تفرد به أَحَمَد رَحِمَهُ اللهُ. وفي المسند عن أبي ذر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قال: رأى النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلم شاتين ينتطحان فَقَالَ: «أتدري فيما ينتطحان يا أبا ذر؟» قُلْتُ: لا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وسلم: «لكن الله يدري وسيحكم بينهما».
فتفكر الآن في نفسك إن خلت صحيفتك عن المظَالِم وعفى الله عَنْكَ ورحمك فأيقنت بسعادة الأبد كيف يكون سرورك واغتباطك في منصرفك من فصل الِقَضَاءِ وقَدْ خلع عَلَيْكَ خلعة الرِّضَا وعدت بسعادة لَيْسَ بعدها شقاء ونعم بدنك بنعيم لا يدور بحواشيه الفناء وعَنْدَ ذَلِكَ طار قلبك سرورًا وأنسًا وابتهاجًا وفرحًا وصرت من الحزب الَّذِينَ ابيضت وجوههم واستنارت وأشرقت فتصور مشيك بين الخلائق رافعًا رأسك خَاليًا من الأوزار ظهرك، يعرف في وجهك نضرة النَّعِيم والخلق ينظرون إليك وإلى حالك ويغبطونك في حسنك وجمالك والملائكة يَمْشُونَ بين يديك يبشرونك بما يسرك.
وإن تكن الأخرى والعياذ بِاللهِ بأن خرجت الصحيفة مملؤة من المظَالِم ومقته الله ولعنه ونكس هَذَا المجرم رأسه الوجه أزرق العينين وأخذته الزبانية بناصيته يسحبونه على وجهه على ملأ من الخلق وهم ينظرون إليه وَهُوَ ينادي بالويل والثبور له ولأمثاله: {لَا تَدْعُوا اليوم ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} فما أعظم جرم من يستتر ويحترز عن ملاء من الخلق خشية الافتضاح عندهم في هذه الدُّنْيَا المضمحلة المنقرضة ثُمَّ لا يخشى من الافتضاح عَنْدَ علام الغيوب وفي ذَلِكَ الملاء العَظِيم مَعَ التعرض لسخط بديع السماوات والأَرْض فالق الحب والنوى.
تَوَارَى بِجُدْرَانِ الْبُيُوتِ عَنِ الْوَرَى ** وَأَنْتَ بِعَيْنِ اللهِ لَوْ كُنْتَ تُنْظُرُ

وَتَخْشَى عُيُونَ النَّاسِ أَنْ يَنْظُرُوا بِهَا ** وَلَمْ تَخْشَ عَيْنَ اللهِ وَاللهُ يَنْظُرُ

آخر:
يَا مَنْ يَرَى مَدَّ الْبَعُوضِ جَنَاحَهَا ** فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ الْبَهِيمِ الأَلِيلِ

وَيَرَى مَنَاطَ عُرُوقِهَا فِي نَحْرِهَا ** وَالْمُخَّ فِي تِلْكَ الْعِظَامِ النُّحَلِ

وَيَرَى مَكَانَ الدَّمِ مِنْ أَعْضَائِهَا ** مُتَنَقِّلاً مِنْ مَفْصِلٍ فِي مَفْصِلِ

وَيَرَى مَكَانَ الْمَشْيِ مِنْ أَقْدَامِهَا ** وَخَطِيضَهَا فِي مَشْيِهَا الْمُسْتَعْجِلِ

وَيَرَى وَيَسْمَعُ حِسَّ مَا هُوَ صَوْتُهَا ** فِي قَعْرِ بَحْرٍ غَامِضٍ مُتَجَدْوِل

أَصْوَاتُهَا مَرْفُوعَةً عَِنْدَ النِّدَا ** أَرْزَاقُهَا مَقْسُومَةٌ لِسُّؤَلِ

اغْفِرْ لِعَبْدٍ تَابَ مِنْ فَرَطَاتِهِ ** مَا كََانَ مِنْهُ فِي الزَّمَانِ الأَوَّلِ

آخر:
إِنَّ الْقُلُوبَ يَدُ الْبَارِي تُقَلِّبُهَا ** فَاسْأَل مِن اللهِ تَوْفِيقًا وَتَثْبِيتًا

مَنْ يُضلِلِ اللهَ لا تَهْدِيهِ مَوْعِظَةُ ** وَإِنْ هَدَاهُ فَلَوْ قَدْ كَانَ عِنْتِيْتَا

فَهَذِهِ غُرْبَةُ الإِسْلامِ أَنْتَ بِهَا ** فَكُنْ صَبُورًا إِذَا فِي اللهِ أَوْذِيتَا

وَاسْأَلْهُ مِنْ فَضْلِهِ خَيْرًا يَمُنَّ بِهِ ** عَلَيْكَ وَاصْبِرْ وَلَوْ فِي الدِّينِ عُودِيتَا

وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ مَخْلُوقٌ لِطَاعَتِهِ ** فَإِنْ أَجَبْتَ فَلِلْخَيْرَاتِ أُوتِينَا

وَسَوْفَ تَرْضَى غَدًا إِنْ كُنْتَ مُعْتَصِمًا ** بِالْوَاحِدِ الْفَرْدِ لا بِالشِّرْكِ إِنْ جِيتَا

اللَّهُمَّ نور قلوبنا بنور الإِيمَان وثَبِّتْ محبتك فيها وقوها وألهمنا ذكرك وشكرك وارزقنا حب أوليائك وبغض أعدائك وآتنا في الدُّنْيَا حسنة وفي الآخِرَة حسنة وقنا عذاب النار واغفر لنا وَلِوالدينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلمين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

.مَوْعِظَة في الحَثِّ عَلى الإقْبَالِ عَلى الآخِرَة:

إخواني أين رفقاؤنا وإخواننا أين ذهب معارفنا وجيرانَا أين أصدقاؤنا أين زملاؤنا وأقراننا أين علماؤنا العاملون بعلمهم أين آباؤنا وأجدادنا رحلوا وَاللهِ بعدهم بقاؤنا هذه مساكنهم فيها غيرهم قَدْ نسيناهم محبهم وجفاهم أين أصحاب القصور الحصينة، والأنساب العالية الرصينة والعقول الراجحة الرزينة قبضت عَلَيْهمْ يد الْمَنَايَا فظفرت ونقلوا إلى أجداثٍ ما مهدت إذ حفرت ورحلوا بذنوب لا يدرون هل غفرت أو بقيت فالصحيح مِنْهُمْ بالحزن قَدْ سقم والمدعو إلى دار البلى أسرع ولم يقم واْلكِتَاب قَدْ سطر بالذُّنُوب فرقم. ولذيذ عيشهم بالتنغيص قَدْ ختم وفراقهم لأحبابهم وأموالهم قَدْ حتم والولد قَدْ ذل ويتم فتفكروا في القوم كيف رحلوا وتذكروا ديارهم أين نزلوا، واسألوا منازلهم عنهم ماذا فعلوا فانتبه من رقادك قبل أن تصل ما وصلوا يا من غفل وسهى ولهى ونسي المقابر والبلى.
إِنَّ الْحَبِيبَ مِن الأَحْبَابِ مُخْتَلَسُ ** لا يَمْنَعُ الْمَوْتَ بَوَّابٌ وَلا حَرَسُ

فَكَيْفَ تَفْرَحُ بِالدُّنْيَا وَلَذَّتِهَا ** يَا مَنْ يُعَدُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَالنَّفْسُ

أَصْبَحْتَ يَا غَافِلاً فِي النُّقْصِ مُنْغَمِسًا ** وَأَنْتَ دَهْرَكَ فِي اللَّذَاتِ مُنْغَمِسُ

لا يَرْحَمُ الْمَوْتُ ذَا جَهْلٍ لِغَرَّتِهِ ** وَلا الَّذِي كَانَ مِنْهُ الْعِلْمُ يُقْتَبَسُ

كَمْ أَخْرَسَ الْمَوْتُ فِي قَبْرٍ وَقَفْتُ بِهِ ** عَنِ الْجَوَابِ لِسَانَا مَا بِهِ خَرْسُ

قَدْ كَانَ قَصْرُكَ مَعْمُورُ لَهُ شَرَفُ ** وَقَبْرُكَ اليوم فِي الأَجْدَاثِ مُنْدَرِسُ

آخر:
لَنا كُلّ يَومٍ رَنَّةٌ خَلفَ ذاهِبٍ ** وَمُسْتَهْلَكٌ بينَ النَوى وَالنَوائِبِ

وَقَلعَةُ إِخْوَان كَانَا وَرَاءَهُمْ ** نُرامِقُ أَعْجَازَ النُّجُومِ الغَوَارِب

نُوادِعُ أَحداثَ اللَيالي عَلى شَفًا ** نُوادِعُ أَحداثَ اللَيالي عَلى شَفًا

وَنَأمُلُ مِن وَعدِ المُنى غَيرَ صادِقٍ ** وَنَأمَلُ مِن وَعدِ الرَدى غَيرَ كاذِبِ

إِلى كَم نُمَنّى بِالغُرورِ وَنَنثَني ** بِأَعناقِنا لِلمُطمِعاتِ الكَواذِبِ

نُراعُ إِذا ما شيكَ أَخمَصُ بَعضِنا ** وَأَقدامُنا ما بَينَ شَوكِ العَقارِبِ

وَنُمشي بِآمالٍ طِوالٍ كَأَنَّنا ** أَمِنّا بَناتَ الخَطبِ دونَ المَطالِبِ

نَعَم إِنَّها الدُّنْيَا سِمومٌ لِطاعِمٍ ** وَخَوفٌ لِمَطلوبٍ وَهَمٍّ لِطالِبِ

وَإنَا لَنَهواها عَلى الغَدرِ وَالقِلا ** وَنَمدَحُها مَع عِلمِنا بِالمَعائِبِ

وَمَن كانت الأَيّامُ ظَهرًا لِرَحلِهِ ** فَيا قُربَ ما بَينَ المَدى وَالرَكائِبِ

تَحِلُّ الرَزايا بِالرِجالِ وَتَنجَلي ** وَرُبَّ مُصابٍ يمُقْلِعِ عَن مَصائِب

آخر:
عَزّى بَعْضهمْ أخًا فَقَالَ:
تَصَبَّرْ فَإِنَّ الأَجْرَ أَسْنَى وَأَعْظَمُ ** وَلازِمْ لِمَا يَهْدِي لِمَا هُوَ أَقْوَمُ

وَلَوْ جَازَ فَرْطُ الْحُزْنِ لِلْمَرْءِ لَمْ يُفِدْ ** فَمَا بَالَنَا لا نَسْتَفِيدُو نَأْثَمُ ج

وَإِنِّي عَنْ نَدْبِ الأَحِبَّةِ سَاكِتُ ** وَإِنْ كَانَ قَلْبِي بِالأَسَى يَتَكَلَّمُ

وَقَالَ آخر مَاتَ له طفل:
فَإِنْ كُنْتَ تَبْكِيهِ طَلابًا لِنَفْعِهِ ** فَقَدْ نَالَ جَنَّاتِ النَّعِيمِ مُسَارِعًا

وَإِنْ كُنْتَ تَبْكِي أَنَّهُ فَاتَ عَوْدُهُ ** عَلَيْكَ بِنَفْعِ فَهُوَ قَدْ صَارَ شَافِعًا

آخر:
جَاوَرْتُ أَعْدَائِي وَجَاوَرَ رَبِّهُ ** شَتَّانَ بَيْنَ جَوَارِهِ وَجِوَارِي

اللَّهُمَّ يا حي يا قيوم يا من لا تأخذه سنة ولا نوم يا ذا الجلال والإكرام يا واحد أحد يا فرد صمد يا بديع السماوات والأَرْض نسألك أن تنصر الإسلام والمسلمين وأن تعلى كلمة الحق والدين وأن تشمل بعنايتك وتوفيقك كُلّ من نصر الدين وأن تملأ قلوبنا بمحبتك ومحبة رسلك وأوليائك وأن تلهمنا ذكرك وشكرك وأن تأخذ بنواصينا إلى ما ترضاه وأن ترزقنا الاستعداد لما أمامنا وأن تهون أمر الدُّنْيَا عَلَيْنَا وأن تغفر لَنَا وَلِوالدينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلمين الأحياء مِنْهُمْ والمَيتين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.